الاحتراق وظيفي

باشر شاب في وظيفته الجديدة وهو بأتم النشاط وأعلى مراحل الحماس وهو مخلصٌ في عمله، وكلما أنجز مهمة ازداد تحفزاً ونشاطاً واتقاناً لعمله، وسرعان ما أعمى الحماس الزائد بصيرته شيئاً فشيئاً حتى بدا له الشعور لإثبات نفسه وزاد العمل أكثر وحَمل نفسه فوق طاقتها! 

مع مرور الوقت أخذ التشتت يسيطر عليه وصار يلقي اللوم على الآخرين من كل صوب،  وأهمل حاجته الشخصية على حساب الوظيفة والتي جعلها أولوية عن غيرها من حاجات الحياة الأخرى: وأحدها الاستمتاع مع العائلة ومجتمعه القريب أو حتى وحده! 

صار العمل فوق طاقته وأنهك ذهنه، واستنزافه العاطفي يتسرب من كل جهة، والضيق يحاصره من كل صوب، وهو ناكر للضغوط التي حاط نفسه بها ليثبت نفسه للجميع حتى لو تخلى عن قناعاته! 

وبعد فترة أعتزل المقربين وزملائه في العمل، وحتى أتفه الأسباب تُشّعل عصبيته وتفقده صبره، إلى أن وصل إلى مرحلة فقدان الشغف، والثقل يسيطر على ذهنه وجسده، وصار مزاجه سيئاً طيلة الوقت وتدنت كفاءته الشخصية وأصبح من المدخنين! وبذلك أصبح محترق وظيفياً وسيطر الاكتئاب عليه. 

ربما أن القصة أخذت مبالغة في السرد، ولكن هذا نموذج يحصل لبعض الناس وهو غير واعي بما يفعل كلياً، كما أن ظروف الحياة الحالية والضغط الاجتماعي ليحقق الكمال يحتم عليه ضغط نفسه، ولكن لنفسك عليك حق، أتقن عملك كما جاء في حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) ولكن بحدود لكي لا ينقلب السحر على الساحر، وحتى لا تكون على ما فعلت من النادمين.